فصل: الفصل الرابع في آداب السؤال

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الإنافة فيما جاء في الصدقة والضيافة **


 الفصل الرابع في آداب السؤال

 الحديث الأول

أخرج الدار قطني في الأفراد والطبرانيب في الأوسط وتمام عن أبي هريرة والبخاري في تاريخه وابن أبي الدنيا وأبو يعلى والطبراني في الكبير عن عائشة رضي الله تعالى عنها والطبراني فيه أيضا والبيهقي عن ابن عباس وابن عدي وابن عساكر عن أنس والطبراني في الأوسط عن جابر وتمام عن أبي بكر والطبراني في الكبير عن أبي خصيفة رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏ابتغوا وفي رواية اطلبوا وفي رواية التمسوا‏)‏ الخير عند حسان الوجوه‏)‏‏.‏

 الحديث الثاني

أخرج ابن عدي والبيهقي عن عبد الله بن جراد رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إذا ابتغيتم المعروف فاطلبوه عند حسان الوجوه‏)‏‏.‏

 الحديث الثالث

أخرج ابن عساكر عن عائشة رضي الله تعالى عنها‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏اطلبوا الخير عند حسان الوجوه وتسموا بخياركم وإذا أتاكم كريم فأكرموه‏)‏‏.‏

 الحديث الرابع

أخرج ابن لال في مكارم الأخلاق عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إذا طلب أحدكم من أخيه حاجة فلا يبدأ بالمدحة فيقطع ظهره‏)‏‏.‏

 الحديث الخامس

أخرج الترمذي عن جابر رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إذا كتب أحدكم كتابا فليتربه فإنه أنجح لحاجته‏)‏‏.‏

 الحديث السادس

أخرج ابن ماجة عن جابر رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏تربوا صحفكم أنجح لها فإن التراب مبارك‏)‏‏.‏

 الحديث السابع

أخرج العقيلي في الضعفاء وابن عدي والطبراني في الكبير وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في السنن عن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه والخرائطي عن عمر والخطيب عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود‏)‏‏.‏

 الحديث الثامن

أخرج العقيلي في الضعفاء والطبراني في الأوسط عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏اطلبوا الحوائج إلى ذوي الرحمة من أمتي ترزقوا وتنجحو فإن الله تعالى يقول‏:‏ ‏(‏رحمتي في ذوي الرحمة من عبادي‏)‏ ‏(‏ولا تطلبوا الحوائج عند القاسية قلوبهمن فلا ترزقوا ولا تنجحوا فإن الله تعالى يقول‏:‏ ‏(‏إن سخطي فيهم‏)‏‏.‏

 الحديث التاسع

أخرج البزار عن عائشة رضي الله تعالى عنها‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قالك ‏(‏لا تصلح الصنيعة إلا عند ذي حسب أو دين‏)‏‏.‏

 الحديث العاشر

أخرج الطبراني في الكبير وابن عساكر عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن المعروف لا يصلح إلا لذي دين أو ذي حسب أو لذي حلم‏)‏‏.‏

 الحديث الحادي عشر

أخرج ابن عساكر عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ قال داود‏:‏ ‏(‏ادخالك يدك في فم التنين إلى أن تبلغ المرفق فيقضمها خير لك من أن تسال من

 الحديث الثاني عشر

أخرج تمام وابن عساكر عن عبد الله بن بسر رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏اطلبوا الحوائج بعزة الأنفس فإن الأمور تجري بالمقادير‏)‏‏.‏

 الحديث الثالث عشر

أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏من صنع إليه معروف فقال لصاحبه جزاك الله خيرا فقد أبلغ في الثناء‏)‏‏.‏

 

الحديث الرابع عشر

أخرج ابن منيع والخطيب عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إذا قال الرجل لأخيه جزاك الله خيرا فقد أبلغ في الثناء‏)‏‏.‏

وأخرج ابن سعد وأبو يعلى والطبراني عن أم حكيم رضي الله تعالى عنهاك أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏جزاء الغني من الفقير النصيحة والدعاء‏)‏‏.‏

 

الباب الرابع

اعلم أن صدقة التطوع سنة للأحاديث الكثيرة الشهيرة وقد قدمنا أكثرها وقد يعرض لها ما يحرمها كأن يعلم من أخذها أنه يصرفها في معصية وينبغي أن يحمل العلم في كلامهم على ما يشمل الظن نظير ما قالوه من أن الإنسان إذا علم رضي صديقة بالأخذ من ماله جاز له الأخذ ولو بغير إذنه قالوا والظن هنا كالعلم فإذا ألحقوه به هنا ففيما نحن فيه أولى أن يلحق به‏.‏

ثم رأيتني ذكرت في حاشية العباب ما يوافق ذلك حيث قلت عقب قولهم القرض قربة لأنه فيه إعانة على كسب قربة غالبا نعم إن غلب على ظن المقرض أن المقترض يصرف ما اقترضه في معصية أو مكروه لم يكن قربة كما يأتي في الشهادات مع بيان أنه إنما يجوز الإقتراض لمن علم من نفسه الوفاء أي بأن كان له جهة ظاهرة وعزم على الوفاء منها وغلا لم يجز إلا يعلم المقرض أنه عاجز عن الوفاء ويعطيه فلا يحرم وأن الحق له فقد أسقطه بإعطائه مع علمه بحاله فعلم أنه لا يحل لفقير إظهار الغنى عند الإقتراض لأن فيه تغريرا للمقرض كما في المضطر والاقتراض كعادم للمال إذا وهب له‏.‏

وقد يحرم القرض كأن يعلم المقرض من الآخذ أنه يصرف ما اقترضه في معصية قلته تخريجا ثم رأيت بعضهم صرح به فقال‏:‏ وقد يكره كما إذا غلب على ظنه أنه ينفقه في مكروه ويحرم كما إذا غلب أنه يصرفه في انتهت عبارة الحاشية المذكورة مع بعض زيادة عليها‏.‏

وبه يعلم أن المتصدق لو علم من الفقير صرف ما يأخذه في مكروه كرهت الصدقة عليه حيث عرض للصدقة ما صيرها مكروهة كما عرض لها ما صيرها محرمة‏.‏

صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏رأيت مكتوبا على باب الجنة ليلة أسري بي الصدقة بعشر أمثالها والقرض بثمانية عشر فقلت يا جبريل‏:‏ ما بال القرض أفضل من الصدقة قال‏:‏ لأن للإنسان أن يسأل وعنده ولا يقترض إلا من حاجة‏)‏‏.‏

لكن قد يعارض الحديثين خبر ابن ماجة أيضا وابن حبان في صحيحه عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏من أقرض مسلما درهما مرتين كان له كأجر صدقة مرة‏)‏‏.‏

ومن ثم قال ابن مسعود‏:‏ ‏(‏لأن أقرض مرتين أحب إلي من أن أتصدق مرة‏)‏‏.‏

وكذا قال ابن عباس وأبو الدرداء رضي الله تعالى عنهم‏.‏

وذهب ابن عمر رضي الله تعالى عنهما‏:‏ إلى الأخذ بالحديثين الأولين فإنه فرق بين الصدقة بأنها إنما يكتب أجرها حين التصدق وهو يكتب ما دام عند المقرض على أن هذا إن صح عنه كان في حكم المرفوع لأنه ما يقال من قبل الرأي وعليه يكون نصا صريحا في أفضلية القرض ولك أن تسلك طريقا وسطا في الجمع بين تلك الأحاديث بأن تحمل الخبر المقتضى لأفضلية الصدقة على ما إذا وقعت في يد محتاج والقرض في يد محتاج على خلاف الطالب ويدل عليه الحديث الثاني وتعليلهم أخذا منه أفضلية القرض بأن لا يقع إلا في يد محتاج بخلاف الصدقة‏.‏

وعليه ينتج من ذلك أن الذي يقع منهما في يد محتاج أفضل من غيره وعليه يحمل الخبر المقتضي لأفضلية الصدقة والخبر المقتضي لأفضلية القرض أما إذا وقع كلا بيد محتاج أو بيد غير محتاج فظاهر أن الصدقة أفضل إذ لا بدل لها بخلاف القرض هذا هو الذي يتجه في هذا المحل ولم أر من صرح بشيء منه ثم رأيت البلقيني تعرض لنحو ما ذكرته مع زيادة فقال‏:‏ الذي يظهر في هذه المسألة أن يقال‏:‏ الآيات في الحث على الصدقات معلومة كآية‏:‏ ‏{‏فَلا اقتَحَمَ العَقَبَةَ وَما أَدراكَ ما العَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَو إِطعامٌ في يَومٍ ذي مَسغَبَةٍ يَتيمًا ذا مَقربَةٍ‏}‏ فلم يذكر إلا الإعتاق والصدقة‏.‏

وفي الصحيحين‏:‏ ‏(‏أن ميمونة لما أعتقت وليدة لها قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك‏)‏‏.‏

وقد تجب الصدقة كأن وجد مضطرا ومعه ما يطعمه فاضلا عن نظير ما علمته في القرض من وجوبه‏.‏

فإن قلت كيف يتصور وجوب الصدقة للمضطر مع قولهم يلزم معه طعام لم يحتج إليه حالا وهناك مضطر بذلة ولو ذميا وإن احتاجه مالا يعوض ولو نسيئة لمعسر لا مجانا‏.‏

قلت يتصور ذلك في حق حيوان مضطر لا مالك له وكذا مضطر لا يمكنه التزام العوض لنحو صبي أو جنون أو إغماء فيجب البذل له مجانا على ما قاله جمع ويؤيده قولهم‏:‏ يجب على القادر المبادرة إلى تخليص المشرف من ماء ونار مجانا لأنه لا يجوز التأخير إلى تقدير الأجرة انتهى‏.‏

فكذلك في نحو الصبي أو المجنون المضطر لا يجوز تأخير طعامه إلى تقدير بدله فوجب بذلك له مجانا على ما في ذلك مما بينه آخر الأطعمة في شرح الإرشاد‏.‏

واتضح قول من قال بوجوب الصدقة على المضطر إن أراد هذه الحالة وإلا لم يصح إطلاقه لما علمت من تصريحهم بما يرده فتأمل ذلك فإنه مهم وعلم بما تقرر أن كلا من الصدقة والقرض يكون سنة وهو الأصل فيهمان وقد يعرض لكل الوجوب والكراهة والحرمة وخلاف الأولى بأن ظن من الآخذ الصرف في واحد من هذه إذ الوسائل حكم المقاصد وسيأتي صور أخرى‏.‏

تنبيه‏:‏ مر في بعض تلك الأحاديث ما صرح بتفضيل القرض على الصدقة وبذلك صرح ابن الرفعة في ‏(‏قرض الشيء من صدقته‏)‏‏.‏

ولخبر ابن ماجة ولكن بسند ضعيف عن أنس رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي‏.‏

والصدقة والقرض يختلف التفضيل منهما باعتبار الأحوال فإذا علم احتياج الفقير ونحوه فصدقة التطوع عليه أفضل من القرض له أو لغيره‏.‏

وإذا لم تعلم حاجته وإنما أعطيت السائل وأنت شاك في حاله وآخر طالب لقرض نظير لذلك ولا تعلم من حالهما اختلاف إلا مجرد الطلب فها هنا يفضل القرض على الصدقة فمثلا بالغالب في طلب الصدقة وطلب القرض‏.‏

وعلى هذا ينزل حديث أنس أي السابق هذا بالنسبة لحال الآخذ وإما بالنسبة لحال المعطي ووجه عن الشيء لله تعالى فحاله أفضل من حال المقرض الذي لم يخرج عن الذي أقرضه وإنما هو طالب رده فإذا أقرضه مرتين كان حاله في ذلك كحال المتصدق نظرا إلى أنه راغب في إقراضه فحاله في الأول اقتضى حصول نصف أجر الصدقة نظرا إلى أنه راغب في إقراضه وحاله في الثاني اقتضى حصوله النصف الثاني‏.‏

على هذا ينزل حديث ابن مسعود على تقدير العمل به ويكون حديث ابن أنس بالنسبة إلى حال الآخذ وحديث ابن مسعود إلى حال المعطي‏.‏

والذي يقتضيه مجرى الكلام للشافعي رضي الله تعالى عنه أن أصل صدقة التطوع أفضل من القرض فإذا ترجح باحتياج ونحوه صار إليه‏.‏

وللقرض عموم من وجه آخر وهو دخوله مال غير المكلف خلاف صدقة التطوع ولصدقة التطوع رجحان من وجوه كثيرة والمعتمد ما قدمته انتهى‏.‏

فإن قلت ما حكمة كون درهم القرض بثمانية عشر وهلا كان بعشرين لأنه ضعفا الصدقة على ما مر‏.‏

قلت‏:‏ لما كان في القرض رد مثل ذلك الدرهم لم يبق في مقابله شيء فيكون الباقي محض المضاعفة وقد علم من كونه ضعفي درهم الصدقة أنه بدرهمين أصالة وبثمانية عشر مضاعفة لأنه من كون الحسنة بعشرة أمثالها أن المضاعفة تسعة ومن كونها بعشرين أن المضاعفة بثمانية عشر فلما رد الدرهم سقط مقابله وهو اثنان من العشرين فبقي ثمانية عشر‏.‏

فصل في مسائل تتعلق بصدقة التطوع الأولى وتعبيرهم باليوم في قولهم‏:‏ ليس للراغب في الخيرات أن يخلي يوما من الأيام من الصدقة بشيء وإن قل للأخبار الصحيحة لم يريدوا باليوم فيه التقييد وإنما أرادوا أن هذا أدنى الكمال وإلا فالأكمل ألا يخلى وقتا منها وإن قلت كما عبرت‏.‏

الثانية إسرارها أفضل من إظهارها لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِن تُخفوها وَتُؤتوها الفُقَراءَ فَهُوَ خَيرٌ لَكُم‏}‏‏.‏

ولأنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عد كما مر من جملة السبعة الذين يستظلون بالعرش يوم لا ظل إلا ظله‏.‏

 

من أخفى صدقته حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه

نعم الوجه وفاقا للغزالي وغيره إن أظهرها ولم يقصد رياء ولا سمعة وإنما قصد أن يقتدى به ولم يتأذ به الآخذ بالإظهار كان الإظهار أفضل لما فيه من المصلحة فإن اختل شرط من ذلك فالإسرار أفضل لما فيه من المصلحة فإن اختل شرط من ذلك فالإسرار أفضل إلا عند قصد نحو الرياء فإنه حرام‏.‏

هذا حكم صدقة التطوع أما الزكاة فالأولى للإمام إظهارها مطلقا‏.‏

قال في المجموع‏:‏ ومثله المالك إجماعا ولكن استثنى منه الماوردي في الباطنة إظهارها للإقتداء به فإنه أفضل نظير ما مر قريبا‏.‏

وينبغي للآخذ أن ينظر لما يحبه المعطي فإن أحب الإسرار أظهر وإلا أسر مبالغة في الثناء عليه في الأول ومعاملة له بنقيض قصده الناقص في المثاني‏.‏

الثالثة قال الشافعي والأصحاب يستحب الإكثار من الصدقة في رمضان لا سيما في عشرة الأواخر فهي أفضل منها فيما يأتي لأنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كان أجود ما يكون في رمضان ولأنه سيد الشهور وأفضلها لأن الناس يشتغلون به عن المكاسب بالصيام وإكثار الطاعات فتكون الحاجة فيه أشد‏.‏

قال الماوردي‏:‏ ويستحب أن يوسع فيه على عياله ويحسن إلى ذوي أرحامه وجيرانه لا سيما في العشر الأواخر‏.‏

قال أصحابنا‏:‏ ويستحب الإكثار من الصدقة عند الأمور المهمة وعند الكسوف والسفر بمكة والمدينة وبيت المقدس وفي الغزو والحج لأنها أرجة لفضائلها والأوقات الفاضلة كعشر ذي الحجة وايام العيد ونحو ذلك‏.‏

ففي كل هذه المواضع هن آكد من غيرها ويتأكد أيضا عند نحو المرض والكسوف والسفر‏.‏

وظاهر كلام الحليمي أنه يسن تأخير الصدقة إلى رمضان ونحوه مما ذكر وعبارته‏:‏ وإذا تصدق في وقت دون وقت تحرى بصدقته من الأيام يوم الجمعة ومن الشهور رمضان‏.‏

انتهت‏.‏

لكن خالفه الأذرعي والزركشي فقالا‏:‏ ليس المراد أن من قصد التصدق في غير الأوقات والأماكن المذكورة يسن تأخيره إليها بل المراد أن التصدق فيها أعظم أدرا منه في غيرها غالبا‏.‏

انتهى‏.‏

وما قال هو المستحب لما في التأخير من خطر احتمال التلف بالموت وشح بالمتصدق به‏.‏

ومرادهم بما ذكر أن من كان بالأماكن الفاضلة أو أدرك الأوقات الفاضلة ينبغي له أن يدرك وسعه في الصدقة فيهان ولا يؤخر شيئا مما يريد التصدق به في غيرها إلا لعذر مما يأتي‏.‏

الرابعة أجمعت الأمة أن الصدقة على الأقارب أفضل وقد مر منها جملة مستكثرة من ذلك حديث الصحيحين‏:‏ ‏(‏أن زينب امرأة ابن مسعود وامرأة أخرى أتتا رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فقالتا لبلال‏:‏ سل لنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ أيجزى عنا من الصدقة النفقة على أزواجنا وأيتام في حجورنا هل يجزىء ذلك عنهما من الصدقة يعني النفقة عليهم فقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ لهم أجر القرابة وأجر الصدقة‏)‏‏.‏

في الصحيحين أيضا عن ‏(‏ميمونة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها‏:‏ أنها أعتقت وليدة لها فقال لها صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك‏)‏‏.‏

وصح حديث‏:‏ ‏(‏صنائع المعروف تقي مصارع السوء‏)‏‏.‏

و‏(‏صدقة السر تطفئ غضب الرب‏)‏ و‏(‏صلة الرحم تزيد في العمر‏)‏‏.‏

ومعنى الزيادة فيه كما مر البركة فيه بالتوفيق للخير والحفظ من الشر فيتيسر له من العمل في المدة القليلة ما لم يتيسر لغيره في المدة الطويلة أو هي زيادة حقيقة بالنسبة للوح المحفوظ وإن كانت ليست زيادة لما في أم الكتاب وهي علم الله القديم الذي لا يقبل التبديل والتغيير‏.‏

وهنا معنى القول بأنها زيادة بالنسبة إلى ما يظهر للملائكة بأن يقال لهم عمر فلان إن لم يصل رحمه خمسون سنة فإن وصله فستون إلا إلى ما عند الله فإنه تعالى يعلم الواقع من الصلة قال أصحابنا‏:‏ ولا فرق في استحباب صدقة التطوع على الغريب وتقديمه على الأجنبي بين أن يكون الغريب ممن تلزمه نفقته أو غيره وعبارة البغوي‏:‏ دفعها إلى قريب تلزمه نفقته أفضل من دفعها إلى الأجنبي‏.‏

قال أصحابنا‏:‏ ويستحب تخصيص الأقارب على الأجانب بالزكاة حيث يجوز دفعها إليهم كما قلنا في صدقة التطوع فلا فرق بينهما وهكذا الكفارات والنذور والوصايا والأوفاق وسائر جهات البر يستحب تقديم الأقارب فيها حيث يكون بصفة الاستحقاق‏.‏

قال أبو علي الطبري والسرخسي وغيرهما من أصحابنا‏:‏ يستحب أن يقصد بصدقته من أقاربه اشدهم له عداوة ليتألف قلبه ويرده إلى المحبة والألفة ولما فيه من مجانبة الرياء‏.‏

وحظوظ النفوس ومنه يؤخذ أن الأشد عداوة من الأجانب أولى من غيرهم ومر حديث ‏(‏أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح‏)‏‏.‏

أي العدو وصح أن الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم اثنتان صدقة وصلة وإذا استوى الأقارب في الصدقة والعداوة فالأفضل تقديم الأقرب فالأقرب من المحارم وإن لزمه نفقتهم كما مر وفي ترتيبهم الزوج والزوجة ثم الأقرب فالأقرب من ذوي الأرحام ثم ذوي الولاء من الجانبين ثم من جانب ويقدم ذوي الولاء من أعلى على ذوي الولاء من أسفل كما بحثه الأذرعي وإن جعلهم الشيخان وغيرهما في مرتبة واحدة ويستثنى مما ذكر الجار ولو أجنبيا فصرفها غليه أفضل منه إلى بعيد ولو كان قريبا لكن بشرط أن يكون دار القريب بمحل لا يجوز نقل زكاة المتصدق إليه والأقدم القريب وإن بعدت داره على الجار الأجنبي وإن قربت داره وأهل الخير والمحتاجون أولى من غيرهم بقرابة أو جوار وظاهر أن أهل الحاجة أولى من أهل الإصلاح‏.‏

الخامسة‏:‏ قال أصحابنا وغيرهسم‏:‏ يستحب أن يتصدق بما يتيسر ولا يستقله ولا يمتنع من الصدقة لقلته وحقارته فإن قليل الخير كثير عند الله تعالى وما قبله سبحانه وبارك فيه غير قليل‏.‏

ومرت الأحاديث الكثيرة في الترغيب في الصدقة ولو بشق تمرة أو فرسن شاة وهو من البعير والشاة كالحافر من غيرها‏.‏

السادسة يستحب أن يخص بصدقته الصلحاء وأهل الخير وأهل المروءات والحاجات كما مر فلو تصدق على كافر ولو حربيا أو فاسق لم يعدم الثواب لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏مِسكينًا وَيَتيمًا وَأَسيرًا‏}‏ ومر خبر الرجل الذي قال‏:‏ ‏(‏لأتصدقن الليلة بصدقة ففعل فوقعت في يد زانية فلما علم تصدق في ليلة أخرى فوقعت في يد غني فلما علم تصدق في ليلة أخرى فوقعت في يد سارق فقيل له‏:‏ لعل الزانية تستعفف والغني يعتبر فيتصدق والسارق يستعف بها عن سرقة‏)‏‏.‏

رواه الشيخان وروي أيضا‏:‏ ‏(‏أن رجلا اشتد عليه العطش فرأى بئرا فشرب منها ثم رأى كلبا يأكل الثرى من العطش فقال‏:‏ لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان قد بلغ مني فنزل البئر فملأ الخف ماء ثم أمسكه بفيه حتى رقي فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له قالوا‏:‏ يا رسول الله‏:‏ إن لنا في البهائم أجرا قال‏:‏ في كل كبدن رطبة أجر‏)‏‏.‏

وروي ‏(‏بينما كلب يطيف بركية ‏(‏أي بئر‏)‏ قد كاد يقتله العطش إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها ‏(‏أي خفها‏)‏ فاستقت له به فسقته إياه فغفر لها به‏)‏‏.‏

ويستحب دفع الصدقة بطيب نفس وبشاشة وجه ويحرم المن بها‏.‏

‏.‏

بطل ثوابه‏.‏

قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏لا تُبطِلوا صَدَقاتِكُم بِِالمَنِّ وَالأَذى‏}‏‏.‏

وروى مسلم‏:‏ أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم فقرأها رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ثلاث مرات قال أبو ذر وخسروا من هم يا رسول الله قال المسبل أي لإزاره عن كعبيه خيلاء والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب‏)‏‏.‏

قال في الإحياء‏:‏ واختلفوا في حقيقة المن والأذى فقيل المن أن يظهرها والأذى أن يذكرها‏.‏

وقال سفيان‏:‏ المن هو أن يذكرها ويتحدث بها‏.‏

وقيل هو أن يستخدمه بالعطاء والأذى ان يعيره بالفقر‏.‏

وقيل هو أن يتكبر عليه لأجل عطائه والأذى أن ينتهره أو يوبخه بالمسالة ثم اختار أن حقيقة المن أن يرى نفسه محسنا إليه ومنعما عليه وثمرته التحدث بما أعطاه وإظهار طلبه المكافآت منه بالشكر والدعاء والخدمة والتوقير والتعظيم والقيام بالحقوق والتقديم في المجالس والمتابعة في الأمور‏.‏

وإن الأذى هو التوبيخ والتغيير وتخشين الكلام وتقطيب الوجه‏.‏

ومنبعه‏:‏ كراهة البذل الموجب لضيق الخلق ورؤيته أنه خير من الفقير‏.‏

قال واستعظام العطية إعجاب بها وهو محبط بالعمل أي فهو عنده كالمن به‏.‏

السابعة‏:‏ يستحب أن يتصدق من كسب يده لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَنفِقوا مِن طيباتِ ما كَسِبتُم‏}‏‏.‏

وللأحاديث السابقة في ذلك‏.‏

قال الإمام الرازي يسن التسمية عند الدفع لأنه عبادة